المحتوى
في الوقت الذي يستمر فيه الجدل حول مستقبل الإذاعة كوسيلة إعلامية لعبت دورًا مهمًا على مر العصور، واستطاعت أن تُحدث تأثيرًا على الرأي العام عبر سنوات نشأتها والمراحل المختلفة التي مرت بها، وبالتزامن مع تطور وسائل الإعلام الرسمية والاجتماعية بدأ السؤال يزداد حول مستقبل الإذاعة وهل ستصمد أم تتلاشى أمام سطوة وسائل جديدة أخذ دورها يتعاظم، وتأثيرها يزداد، والاهتمام بها يشتد.
مستقبل غامض للراديو
لا يمكن التنبؤ بشكل دقيق بمستقبل الراديو، وإن كنت أعتقد أنه سيحتفظ بأهميته على المدى البعيد، فما تزال خصائص هذه الوسيلة ذاتها لم تتغير، فسهولة الوصول للناس، وتوفره للجميع، وسرعة مواكبة الأحداث، كلها عوامل ظلت ثابتة للراديو وعلامة تفرقه عن غيره من الوسائل الأخرى مما يجعل من حتمية استمراره أمرًا مؤكدًا، ما يميز الراديو هو الإحساس العاطفي الخاص الذي يتسرب للمتلقي حيث يشعر المستمع أن من يتحدث داخل الراديو يخاطبه وحده دون سواه، وهذا سحر ميّز الراديو وأكسبه المزيد من الخصوصية.
عندما ظهر التلفزيون كان فتحًا كبيرًا، واختراقًا مهمًا في الميديا وتوقع الناس أن يزيح التلفزيون الصحافة والراديو كونه يتوفر على عناصر جديدة: كلمة وصوت وصورة، وهي العناصر المتكاملة كي تعكس الحقيقة كاملة للمتلقي، وعليه ظن الناس أنها نهاية عصر الصحافة والإذاعة، إلا أن ذلك لم يحدث فقد احتفظت الصحافة وكذلك الراديو بخصائصهما، وحدث بينهما تناغم دون أن يفرض واحد منهما سطوته على الآخر.
إلا أن ما حدث بعد ذلك بسنوات بعد ظهور الإنترنت أمر مختلف، فقد ظهرت وسائل جديدة، وزادت سطوة وسائل الإعلام الاجتماعي، وفي فترة ما هيمنت هذه الوسائل وبدأت بسحب البساط من الإعلام التقليدي لأنها توفرت على عناصر قوة جعلتها تتنامى وتزداد، لكن تظل هناك عوامل ضعف لهذه الوسائل وأهمها الموثوقية والمصداقية اللتان تعدان أهم سمات الإعلام، ولذلك عاد التوازن بعد فترة من الوقت فلم يستطع الإعلام الاجتماعي سحب البساط من الإعلام التقليدي، والدليل على ذلك أن المتلقي عندما يجد نفسه أمام أي حدث أو خبر ما يلجأ للإعلام التقليدي للتأكد، فما تزال المصداقية والحياد هما الميزتان الأهم اللتان تتسمان بالإعلام التقليدي وهو ما لا يتوفر في الإعلام الاجتماعي.
البودكاست لاعب جديد مهم
فيما يتعلق بالإذاعة، صحيح أنها فقدت بعض وهجها وسحرها، لكن أهميتها لم تتلاشى، فما تزال للإذاعة جمهورها الذي يثق بمحتواها ويمنحها الثقة والولاء.
إلا أن ثمة وسيط جديد أصبح في رأي البعض يشكل تهديدًا للإذاعة وهو البودكاست (التدوين الصوتي) الذي استفاد من كل خصائص الراديو، فعندما تستمع لمقطع في البودكاست تشعر أنه موجه لك دون الآخرين، ولما لا فالبودكاست هو ابن الصحافة باعتبار أن أول من أطلق عليه هذا الاسم هو صحفي من جريدة الجارديان سنة 2004م، ومما يزيد هذه الفرضية النمو المتصاعد للبودكاست حيث يزداد الاستماع للبودكاست بمعدل سنوي يصل إلى 20%، وصناعة البودكاست صارت سهلة للغاية، يكفي أن تمتلك محتوى جيد وإصرار على استمرار بث هذا المحتوى.
أما عن فرضية سحب البودكاست لمستمعي الراديو وبالتالي القضاء على هذه الوسيلة العتيقة. فقد سبق أن سمعنا فرضية مماثلة حينما ظهر اليوتيوب. فتوقع البعض أن ينتهي التلفزيون مع ظهور هذه المنصة الخطيرة لكن ذلك لم يحدث.
في رأيي أن ما حدث مع اليوتيوب يحدث كذلك مع البودكاست. فهو وسيلة سوف تعزز نشر الراديو وتقوي منه. لأن محتوى الراديو الاحترافي سيجد وسيلة معززة لنشره عبر طريقة البودكاست وعلى نطاق واسع. فهناك جمهور لا يستهان به لجأ للبودكاست، وحينها سيجد نفس محتوى الراديو متاحًا عبر البودكاست. فالمستمع ستتوفر له المرونه للاستماع لمحتوى الراديو دون الحاجة للتفرغ الكامل للاستفادة من المادة. فيمكنه الاستماع وهو يمارس عمله العادي وفي الوقت الذي يناسبه.
الخلاصة: في عصر سريع الايقاع. أصبح من الصعوبة تلقي المعارف من بين ركام هائل من المعلومات. ولذلك من الضروري أن يتم حقن المعلومات والمعارف في ذهن المتلقي بأيسر الطرق وأسرعها. البودكاست يحقق ذلك بشكل جيد لكنه لا يلغي من الراديو أو أهميته. فالمحتوى الجيد منبعه الراديو. وما البودكاست إلا ناقل لهذا المحتوى.
اقرأ أيضًا:
كيف تنشئ مدونتك الصوتية أو قناة البودكاست الخاصة بك؟