المحتوى
التسويق الرقمي أم التسويق التقليدي؟ برز هذا التساؤل للمرة الأولى مع بداية تبلور الوسائل الرقمية، واستمر السؤال يتصاعد ثم تغيرت الصيغة اليوم: هل يهدد التسويق الرقمي التسويق التقليدي؟
لقد أحدثت الثورة الرقمية تطورًا هائلًا في حياتنا اليومية، بل إنها قلبتها رأسًا على عقب من خلال تأثيرها على سلوكنا، الأمر الذي أعاد تشكيل منظومة العلاقة بين المنتج والمستهلك بصورة جوهرية، وبالتالي تغيرت “ميكانيزمات” التسويق برمتها.
إن هذا التغيير ظهرت سماته في عدد من الملامح منها على سبيل المثال لا الحصر:
-
زيادة القوة الشرائية
في عالم اليوم أصبح الشراء من أيسر الأمور، فما على المشتري سوى فتح صفحة أو صفحتين على الإنترنت، ثم الاطلاع على المنتجات وعمل مقارنة بين الأسعار وأخيرًا الضغط على زر الجوال أو الفأرة لإتمام عملية الشراء، كل هذه الإجراءات تتم في غضون ثوانٍ معدودة، إن توفر المنتجات والسلع والخدمات بأسعار مختلفة وأشكال متنوعة أغرى المستهلك لزيادة مشترياته إلكترونيًا، فكل شي يمكن أن يتم من خلال التطبيقات الميسرة، ولا يتوقف الأمر على سلعة بعينها، حيث يمكنك شراء أي شيء.
-
توفر المعلومات الهائلة
يستطيع المشتري أن يطلع على كم كبير من المعلومات عن السلع والمنتجات ومواصفاتها وأحجامها وأسعارها ومكان تصنيعها في أي رقعة من العالم، لا يوجد ما يمكن إخفاؤه في عالمنا الراهن، فكل المعلومات متوفرة بطريقة سهلة وميسرة.
-
السهولة الكبيرة فى المعاملات
وتوصيل الطلبيات وبالسرعة المعقولة مما جعل الشركات تتنافس في مدة توصيل الطلبات للمشترين، إن هذا التنافس جعل المستهلك هو الطفل المدلل الذي يسعى الجميع لنيل رضاه.
-
القدرة على المقارنة بين السلع أو الخدمات المختلفة
المستهلك اليوم يستطيع تبادل المعلومات والآراء والأفكار عبر الإنترنت؛ مما يسهل عليه تكوين رأي كافي تجاه السلعة أو الخدمة المطلوبة، كما أن الشركات اليوم لديها مقدرات كبيرة في تخصيص قواعد بيانات هائلة وغنية عن الأسواق والمنافسين والزبائن المحتملين، ولا تعتمد فقط على توفير المعلومات لكنها تخصص إدارات معنية ببحوث التسويق والتواصل المباشر مع عملائها عبر طرح الاستبيانات بغرض جمع البيانات والمعلومات المختلفة وذلك حتى يمكنها الوقوف على طلبات العملاء والعمل على تلبيتها.
هذه الملامح -والتي تعد جزءًا من عدد كبير من المتغيرات- التي طرأت على طبيعة العلاقة بين المنتج والزبون فرضت تعاملًا مختلفًا، إضافة لذلك جعلت من الأهمية التعرف بشكل أكثر دقة على العملاء، فالزبون اليوم يتسم بصفات بالغة التعقيد من حيث طبيعة سلوكه ومتطلباته وأسلوبه في الشراء؛ لذا يتوجب على المنتج تتبع خارطة الشراء للزبون بشكل دقيق والتوقف عند كل مرحلة من مراحل الشراء، بمعنى آخر التعمق الكبير في الخصائص التي تحدد شخصية العميل وتوجهاته المختلفة.
ولأجل ذلك زادت أهمية التسويق الإلكتروني وأصبح في وقتنا الراهن الأساس الذي تبنى عليه تفاصيل التسويق التقليدي، هذا إن لم يكن قد تجاهل التسويق الإلكتروني العديد من الوسائل التقليدية وتم إلغائها تمامًا من منظومة التسويق بشكل عام.
إن أكثر ما يميز التسويق الإلكتروني هو التخصيص وقوة الاستهداف من خلال تمكين الوصول في الوقت المناسب للشخص المناسب في المكان المناسب.
قوة الاستهداف Targeting
ما يزال الجدل محتدمًا منذ وقت طويل وحتى وقتنا الراهن في طريقة الاستهداف الصحيح بالتسويق التقليدي وطرق قياسه، العديد من الاجتهادات والتجارب والأطر النظرية العديدة في هذا الجانب لم تفضي لنتائج عملية وسهلة للقياس قبل أو بعد الحملات التسويقية، والجوانب العلمية المعروفة في حال تنفيذها تتطلب أموالاً طائلة، ووقتًا كبيرًا وهو أمر يرهق الشركات من كافة النواحي، إلا أن هذا الأمر محسوم بالنسبة للتسويق الرقمي، فمن أسهل الأمور الاستهداف، فحملة واحدة من شأنها أن تحدد لك طرق الاستهداف الصحيح.
حملة إعلانية على سبيل المثال لنشر لافتات على الطرق هي حملة غير دقيقة الاستهداف لأنها توجه لعموم الناس بمختلف أعمارهم، ولا تعطي اهتمامًا للأوقات المناسبة لهم، ولذلك النتيجة المتوقعة من هذه الحملة ستكون ضعيفة مقارنة بحملة على جوجل مثلاً: يمكنك أن تحدد الجمهور، والدولة، والفئة العمرية، والوقت المناسب للظهور، إلخ. هذا يعطي نتائج قوية ومؤثرة.
التوقيت Timing
طرحنا منتجًا جديدًا ورتبنا حملة إعلانية في عدد من الوسائل التقليدية ولمدة شهر كامل، لكن النتيجة أن العديد من الشرائح المستهدفة لم تعلم عن المنتج الجديد لأن الأمر تطلب وقتًا أطول، أعدنا نفس الأمر بحملة رقمية على اليوتيوب وجوجل وغيرها، فكان الوصول للمستهدفين خلال أقل من ساعتين، هذا الأمر أحدث الفرق الحقيقي في أهمية وسائل التسويق الرقمي.
قياس العائد Return on investment – ROI
هنالك مشكلة في قياس العائد على الاستثمار في التسويق التقليدي، فالأرباح أو الإيرادات المحققة من الحملة الإعلانية لا يمكنك عمليًا قياسها حيث يصعب معرفة كم الإيراد الذي تحقق من حملة إعلانات على الطرق السريعة أو إعلان تلفزيوني تقليدي، بينما يسهل ذلك في أي وسيلة رقمية.
التخصيص Customization
عندما نطلق حملة ما سيكون لدينا شرائح عديدة مستهدفة، كل منهم لديه لغته الخاصة وجنسه وخلفياته الثقافية، وسلوكه المختلف، وعندما نصمم حملة تقليدية ستكون موجهة للجميع، لكن ذات الحملة يمكننا أن نخصصها لكل شريحة بما يناسب لغتها وسلوكها وأسلوبها وغير ذلك.
لهذه الأسباب وغيرها توجه الجميع إلى التسويق الرقمي، منهم من استعان بجزء منه ومنهم من ركز كل جهوده عليه، والبعض ما يزال يراوح مكانه مستعينًا بالتسويق التقليدي لا غيره.
في الدول الغربية حدث تغيير ملحوظ، حيث قفز معدل الانفاق على التسويق الرقمي في بريطانيا لأكثر من 50% من معدل الإنفاق العام على التسويق، وفي الولايات المتحدة زاد عن 60%، وبشكل عام يتوقع أن يتجاوز الإنفاق على التسويق الرقمي أكثر من 50% على مستوى العالم.
والأمر بطبيعة الحال لا يقتصر على الدول الغربية وحدها، ففي العالم العربي يتنامى الاهتمام بالتسويق الرقمي، وبالتالي هناك زيادة مؤثرة في حجم الإنفاق الرقمي، كانت نسبة الإنفاق الإعلاني الرقمي في الدول العربية حتى وقت قريب لا تتجاوز 10% ثم خلال وقت قصير قفزت إلى 15%، واليوم تشهد هذه النسبة تزايدًا يومًا بعد آخر وهذا مؤشر واضح وقوي أن هنالك توجهًا للتركيز على التسويق الرقمي في مقابل التسويق التقليدي، والذي بات مهددًا بشكل حقيقي (إلا إذا توفرت لديه معطيات جديدة تخرجه من حالة الجمود وتعطيه بعض الحيوية التي يمتاز بها التسويق الرقمي).
اقرأ أيضًا:
التسويق 4.0.. الانتقال من التسويق التقليدي إلى الرقمي