المحتوى
يشهد التسويق كغيره من العلوم تطورًا مستمرًا في وسائله وأدواته التي تعتمد عليها الشركات لزيادة مبيعاتها، وأحد أهم أسباب هذا التطور هو التقدم التقني الكبير والهائل مما يُشكل فرصًا هائلة لفهم حركة الأسواق وسلوك المشترين.
وأحد أهم الطفرات التي أحدثتها التكنولوجيا خلال السنوات الماضية هو ما أطلق عليه البيانات الضخمة، والتي بإمكانها تسهيل وصول الحملات الترويجية بدقة إلى الشرائح المستهدفة مما يرفع من فعاليتها ويقلل تكلفتها.
لكن ما هي البيانات الضخمة؟ وأين توجد؟ وكيف يمكن الاستفادة منها؟
ما هي البيانات الضخمة؟
يشير مصطلح البيانات الضخمة إلى المعلومات الهائلة والمعقدة التي تنتج آليًا من خلال منصات إلكترونية مختلفة متصلة بالإنترنت، هذه البيانات وبسبب كبر حجمها لا يمكن معالجتها يدويًا أو بالبرمجيات البسيطة؛ بل تحتاج لبرامج وخوارزميات متخصصة لديها القدرة على استيعاب هذا الكم من البيانات لتحليلها والاستفادة منها.
تنتج هذه البيانات الضخمة من الاستخدام اللحظي الكثيف للإنترنت في مختلف أنحاء العالم، حيث تقدم كلًا من (وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة – محركات البحث – مواقع التسوّق – تطبيقات الهواتف الذكية – إنترنت الأشياء – …) بيانات هائلة كل ثانية عن مئات الملايين من المستخدمين.
فعلى سبيل المثال بلغ عدد المستخدمين النشطين لوسائل التواصل الاجتماعي خلال 2019 حوالي 3.8 مليار شخص حول العالم، وموقع فيسبوك مثلًا ينشط عليه أكثر من 2.4 مليار مستخدم شهريًا، بينما يوتيوب ينشط عليه 2 مليار شهريًا، أما محرك بحث جوجل فيشهد حوالي 77500 عملية بحث بالثانية الواحدة، ما يعني أكثر من 6.6 مليار عملية بحث في اليوم.
وتلتزم شركات التقنية بالاحتفاظ بهذا النشاط الهائل على الإنترنت لضرورات أمنية وقانونية وفنية، وساعدها في ذلك تطور قدرات تخزين المعلومات وانخفاض سعرها.
كذلك ساهم تطور القدرات الحاسوبية في تسهيل تحليل هذه البيانات والاستفادة منها، والآن أصبح بوسع شركات التقنية معرفة عددًا يصعب حصره من التفاصيل عن المستخدم مثل النوع والمرحلة العمرية والمؤهل الدراسي ومكان السكن والعمل، والنطاق الجغرافي الذي يتحرك فيه والحالة الاجتماعية والانتماءات الدينية والسياسية والاهتمامات الشخصية والهوايات المفضلة، وكذلك محتوى النصوص التي يتشاركها وفئات المحتوى التي تجذبه للتفاعل معها.
هذه المعلومات الكثيرة بدمجها معًا وتنظيمها في قوالب معينة تقدم معلومات هامة عن سلوكيات الأفراد والمجموعات، حيث تقدم معلومات عالية القيمة للمسوقين تمكنهم من استهداف العملاء المناسبين تمامًا بالدعاية المناسبة تمامًا أيضًا؛ ما يمثل نقلة نوعية في عالم التسويق.
ففي السابق كان استهداف الجمهور وصنع القرارات التسويقية يعتمد على الحدس والخبرة بينما الآن أصبح الاعتماد على الخوارزميات الرياضية، وكذلك عملية جمع البيانات التي كانت في السابق شاقة ومرهقة باتت الآن تُنفذ آليًا، وتحليلها أصبح يعتمد على البرمجيات أكثر من الأفراد.
كيف نستفيد من البيانات الضخمة؟
أولًا التسويق عبر البريد الإلكتروني
في البداية يمكنك التنقيب في البيانات الضخمة للوصول إلى عناوين البريد الإلكتروني للمهتمين بمنتجك أو خدمتك، وبالتالي تحسين القدرة على الاستهداف بحملات التسويق عبر البريد الإلكتروني.
بالإضافة لذلك عن طريق تحليل بيانات التفاعل مع رسائلك تستطيع اختيار التوقيت المناسب لكل عميل، لترسل له الرسالة بتوقيت خاص مناسب له مما يزيد من احتمالية فتحه للرسالة وقراءتها.
وكذلك معرفة عدد المرات المناسبة لإرسال الرسائل لكل شخص، وجمع معلومات عن المنتجات التي تجذب العملاء للشراء وبيانات وسمات العملاء الذين يشترونها، ومن ثم إنشاء قوالب محددة لترشيحات ذات صلة بالمنتجات التي يتم شرائها.
ثانيًا التسويق عبر المحتوى
والمقصود به المحتوى التسويقي الذي يقدم بطرق مختلفة مثل المواد المسموعة والمرئية والإحصائيات والرسوم والمقالات الترويجية، من أفضل ما تقدمه البيانات الضخمة هنا هو تتبع نجاح كل شكل منها على حدى وتحديد الشريحة المتفاعلة معه، وبالتالي لم يعد بإمكاننا فقط استهداف الشريحة المناسبة بل استهدافها آليًا بالمحتوى المناسب، مثلًا كالاقتراحات التي يُقدمها لك Netflix استنادًا إلى سجل مشاهداتك.
ثالثًا المتاجر الإلكترونية
يتبنى المتجر الإلكتروني العملاق أمازون مبدأ الوصول باقتراحات الشراء المناسبة للشخص المناسب وهو ما يعرف بـ Personalization، أي فهم سمات وسلوكيات العميل وبالتالي القدرة على تقديم أكثر الاقتراحات الملائمة لذوقه ونمط استهلاكه.
وذلك كله يحدث عن طريق تحليل أمازون لبيانات عملائها؛ فمن خلال سجل مشترياتك السابقة، والمنتجات التي لم تشتريها بعد ولكنها موجودة في سلة التسوّق الخاصة بك أو في قائمة رغباتك، والمنتجات التي قمت بتصفحها ومدة تصفحك لها، وعمليات البحث الخاصة بك على الموقع، بناءً على تجميع وتحليل كل هذه البيانات وغيرها تقوم خوارزميات الموقع آليًا بتقديم توصيات ذكية للمستخدمين مما أدى إلى زيادة مبيعات الشركة بنسبة 35% عند بدء تطبيق هذا النظام.
رابعًا الإعلانات
أما إعلانات جوجل Google Ads فهي صورة واضحة لاستخدام البيانات الضخمة، حيث أننا نجد مثلًا في خدمة الشبكة الإعلانية Display Network، (وهي المساحات الإعلانية الموجودة في هوامش ومتون المواقع الإلكترونية، والتي تستأجرها جوجل من المواقع لتقدمها إلى عملائها من المسوقين)، يقوم المستخدم بالبحث عن منتج معين بجوجل، ثم يدخل إلى أي موقع آخر بعد ذلك فيجد نفس المنتج يظهر أمامه في المساحات الإعلانية المسئولة عنها جوجل!
أيضًا فيسبوك يستخدم البيانات الضخمة التي بحوزته لمساعدة المعلنين بدقة الاستهداف كتحديد الشريحة العمرية والنطاق الجغرافي وغيرها.
كيف تستخدمها في نشاطك التسويقي؟
هناك عدة طرق لتوظيف البيانات الضخمة لصالح نشاطك التسويقي منها مثلًا الاشتراك في الخدمات الإعلانية للمنصات الكبيرة مثل جوجل وفيسبوك وتويتر وغيرها؛ إلا أنه رغم تنوع الاختيارات المتاحة على هذه المنصات لاستهداف شرائح محددة.
ربما يكون هذا غير كافي وتحتاج إلى التنقيب والتوجيه بنفسك، ويمكنك هذا عن طريق استخدام برمجيات ومنصات مخصصة لذلك مثل Hadoop – Python –Spark – MapReduce – Cassandr وغيرها، ويوجد العديد من القنوات على اليوتيوب التي تشرح كيفية استخدام مثل هذه المنصات في التنقيب في البيانات Data Mining.
لكن إذا كانت المنصات السابقة تحتاج لمحترفين بدرجة ما، فكيف يمكنك أن تبدأ استخدامها بنفسك وبصورة مبسطة؟
لنفترض أن لديك نشاطًا ما وتحتاج تطوير أداءه التسويقي وبدء الاستفادة من طرق توظيف البيانات الضخمة، لنفترض أن هذا النشاط مركزًا لتعليم اللغات، سيكون عليك أولًا البحث عن المجموعات والصفحات والمنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي التي تهتم بتدريس اللغات (وبالطبع إذا كان المركز لتدريس لغة معينة سيكون عليك التركيز في البحث عن هذه اللغة).
ومن ثم استخدام أحد أدوات أو برامج استخراج البيانات من مواقع التواصل وفرزها وحذف البيانات غير المناسبة (جغرافيًا مثلًا)، الآن تكون قد أتممت الخطوة الأولى وهي التنقيب عن البيانات لتأتي الخطوة التالية وهي استهداف عناوين البريد الإلكتروني التي جمعتها بحملات الدعاية سواء الدعاية عبر البريد الإلكتروني أو عبر مواقع التواصل.
ربما تكون الأدوات البسيطة مناسبة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، لكن بالنسبة للشركات المتوسطة والكبيرة تحتاج إلى ما هو أكبر من الأدوات السهلة البسيطة، حيث تحتاج للاحتفاظ بسجلات لعملائها وكذلك تحليل سلوكياتهم وتقييم التفاعل مع الحملات الترويجية المختلفة، ومراجعة التقييمات والمقترحات وكل ذلك من الأدوار التي تتطلب وجود فرق خاصة داخل إدارة التسويق معنية بإدارة ملف البيانات الضخمة.
يُنظر لمجال البيانات الضخمة كأحد أكثر المجالات الناشئة توسعًا، ومع مرور الوقت وتوسع استخدام الإنترنت ودخوله بكافة تفاصيل الحياة نقترب أكثر من لحظة لن يكون فيها توظيف البيانات الضخمة بعمليات التسويق ميزة تنافسية فحسب، بل أمرًا لا مفر منه للشركات لتبقى في دائرة المنافسة!
المصادر
محتوي جميل مشاء الله