المحتوى
هل تساءلت يوماً ما الذي يميّز علامة تجارية عن أُخرى؟ أو ما الذي يجعل بعض العلامات التجارية راسخة في أذهاننا، بينما ننسى غيرها بسهولة؟
يكمن السر في التموضع الذهني للعلامة التجارية (Brand positioning). إنَّه بمثابة بصمة فريدة تمنح علامتك التجارية هويّتها الخاصة، وتجعلها تبرز في السوق.
ففي عالم مليء بالعلامات التجارية، يُصبح من الصعب على أيّ علامة أن تُحدث فرقاً، وأن تبني حضوراً ذا معنى في أذهان المستهلكين. لذلك، سنسلّط الضوء في هذا المقال على مفهوم التموضع الذهني، ودوره في مساعدة العلامات التجارية على اِحتلال مكانة مميّزة في وعي المستهلكين، تُميّزها عن منافسيها وتُعزّز اِرتباطهم بها.
التموضع الذهني للعلامة التجارية Brand positioning
هو عملية تحديد الطريقة التي تريد أن يفكّر بها عملاؤك تجاهك. عند بيع المنتجات وإنتاج المحتوى، من المحتمل أنَّ هناك شعوراً معيّناً وتوافقاً ترغب في إثارته. وبالتالي، أنت تسعى لوضع علامتك التجارية بطريقة معينة.
إنَّ تحديد تموضع العلامة التجارية هو أكثر من مجرَّد إنتاج شعار أو نبرة صوت. إذا تمَّ تنفيذه بشكل صحيح، فيُمكن أن يساعدك على تمييز عملك عن أيّ منافس آخر، حتَّى لو كنتَ تبيع منتجات متطابقة.
لبناء اِستراتيجية التموضع الذهني الصحيحة، يجب عليك:
- تحديد اِحتياجات الجمهور المستهدف الرئيسة.
- تعريف اِستراتيجية التموضع بناءً على تلك الاِحتياجات، أو ما يسميه المسوقون باِكتشاف “سبب التصديق لدى جمهورك المستهدف”.
- إبراز نقاط تميّز علامتك التجارية.
- إنشاء خطة تسويقية بناءً على جميع الخطوات التي اِتّخذتها أعلاه.
أهمية بناء التموضع الذهني للعلامات التجارية
يُمكن أن يساعدك إنشاء خطة لتحديد التموضع الذهني للعلامة التجارية في التحكُّم في سمعتك، وصورة علامتك التجارية.
على سبيل المثال؛ منذ أكثر من قرن من الزمان قدّمت إحدى شركات المشروبات الغازية منتج لم يسبق له مثيل، وهو أوَّل مشروب كولا على الإطلاق. وبذلك، نجحت كوكاكولا في وضع نفسها على أنَّها المشروب الأصلي.
والآن، تستفيد هذه العلامة التجارية من ملايين المبيعات في جميع أنحاء العالم، باِعتبارها المنتج الأوَّل الموجود في أذهان العملاء.
وبالتالي، يُتيح تموضع العلامة التجارية للشركة أن تميّز نفسها عن منافسيها. ويُساعد هذا التمييز على زيادة الوعي بالعلامة التجارية، وتوضيح القيمة، وتبرير التسعير، ممَّا يؤثّر في النهاية على العائد المالي.
ولكن ليست جميع اِستراتيجيات تموضع العلامة التجارية متشابهة أو لها نفس الهدف. بل تختلف اِعتماداً على طبيعة المنتج أو المجال.
أنواع استراتيجيات التموضع الذهني للعلامة التجارية
هناك العديد من الخيارات المتاحة عند تحديد تموضع علامتك التجارية في السوق. ويتعيّن عليك صياغة اِستراتيجية تسلّط الضوء على الميزة التنافسية لمنتجك وتبرز نقاط ضعف المنافسين.
فيما يلي بعض الاِستراتيجيات الشائعة التي يُمكنك اِستخدامها لتمييز علامتك التجارية في السوق:
1- استراتيجية التموضع في خدمة العملاء
تستفيد الشركات في القطاعات المعروفة بنقص الدعم والاِهتمام من تسليط الضوء على خدمة العملاء الودّية لتمييز نفسها.
الميزة الملموسة لهذه الاستراتيجية هي أنَّ خدمة العملاء الجيّدة يُمكن أن تساعد في تبرير اِرتفاع التكلفة. على سبيل المثال، تأتي منتجات شركة آبل (Apple) بسعر مرتفع، ولكن فريق الدعم لديها ودود وسريع الاِستجابة.
هذه التفاعلات المتعلّقة بالخدمة تُعدُّ جزءاً من رحلة العميل، فقد يتحوَّل العميل غير الراضي في البداية إلى مروّج إذا كان لديه تجربة خدمة رائعة.
كن حريصاً على هذه الاِستراتيجية. فإذا قمت بالإعلان عن خدمة العملاء الاِستثنائية ولم تتمكَّن من تقديمها، فستتلقَّى تقييمات سيئة واِنتقادات غاضبة عبر الهاتف والبريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاِجتماعي.
2- استراتيجية التموضع القائمة على الملاءمة
تسلّط اِستراتيجية التموضع القائمة على الملاءمة الضوء على سبب كون منتج أو خدمة الشركة أكثر ملاءمة للِاستخدام من المنتجات أو الخدمات المنافسة.
يُمكن أن تعتمد هذه الملاءمة على عوامل مثل الموقع وسهولة الاِستخدام وإمكانية الوصول الواسعة ودعم المنصَّات المتعدّدة أو حتَّى بسبب تصميم المنتج.
إنَّ تموضع منتجك أو خدمتك على أنَّها الأكثر ملاءمة سيجذب تلقائياً المستهلكين المشغولين. ومثل الاِستراتيجية السابقة، يُمكنها أن تبرّر أيضاً نقطة اِرتفاع التكلفة.
والعنصر الأخير الذي تحتاج إلى التحقّق منه، هو فيما إذا كان منتجك مناسباً حقاً لتلبية توقّعات عملائك من الراحة أم لا.
3- استراتيجية التموضع القائمة على السعر
تستخدم العلامة التجارية اِستراتيجية التموضع القائمة على السعر؛ لتقديم منتجها أو خدمتها باِعتبارها الخيار الأقلّ تكلفة في السوق. عندما تضع منتجك على أنَّه الأرخص في السوق، يُمكنك جذب قاعدة عملاء كبيرة؛ حيثُ يفضّل معظم المستهلكين دفع أقلّ قدر ممكن. ويُعدُّ تقديم أدنى سعر هو طريقة سهلة لتحويل العملاء المحتملين إلى عملاء فعليين.
ولكن تأتي هذه الاِستراتيجية مع نصيبها من المخاطر والعيوب. منها على وجه التحديد؛
- إعطاء الاِنطباع للعملاء باِنخفاض جودة الإنتاج.
- قد تواجه مشكلات اِقتصادية يُمكن أن تعيق تموضع علامتك التجارية مع مرور الوقت.
- ويُمكن أن يؤدِّي تحديد المواقع بناءً على السعر إلى بدء حرب أسعار.
4- استراتيجية التموضع القائمة على الجودة
تنفّذ العلامات التجارية هذه الإستراتيجية عندما تريد التأكيد على جودة منتجاتها، وهي الجودة التي غالباً ما تأتي بتكلفة مرتفعة.
يُمكن إظهار جودة المنتج، من خلال الحرفية الاِستثنائية، والإنتاج بكميات صغيرة، واِستخدام المواد عالية الجودة، وحتَّى الممارسات المستدامة التي تجعل عملية الإنتاج أكثر تكلفة.
يمكن إظهار جودة الخدمة، من خلال إيضاح النتائج النهائية الاِستثنائية، وعائد الاِستثمار المرتفع، وشهادات العملاء الإيجابية.
قد يتجاوز المتسوّقون المهتمون بالميزانية علامتك التجارية لصالح بديل أرخص. ولكن هنا يأتي دور شخصيات المشتري، إذ ستحدّد عادات الدخل والتسوّق لعملائك المستهدفين ما إذا كان التركيز على الجودة بسعر أعلى، هو النهج الصحيح لعلامتك التجارية.
5- استراتيجية التميز
تعتمد اِستراتيجية التموضع القائمة على الاِختلاف والتميز على تفرّد المنتج أو صفاته المبتكرة مقارنةً بالمنافسين التقليديين.
على سبيل المثال؛ شركة تِسلا. فقبل ظهور سيارات تِسلا، لم تكن هناك مركبة كهربائية جذابة متاحة للشراء. وهي الآن شركة التكنولوجيا الرائدة في مجال السيارات ذاتية القيادة والروبوتات الذكية.
إذا قمت بتنفيذ هذه الإستراتيجية، فسوف ينجذب المستهلكون الذين يقدّرون الاِبتكار إلى علامتك التجارية ومنتجك. وأحد القيود المحتملة هو أنَّ الجمهور يمكن أن يتردَّد بسبب عدم وجود تاريخ للاِستخدام.
إذا كان منتجك جديداً تماماً، يمكنك تقديم بعض الأبحاث والاِختبارات التي تمَّت لإنشاء المنتج. غالباً ما يُحبّ المستهلكون الذين يدفعهم الاِبتكار في معرفة كيفية عمل التكنولوجيا أو المنتج الجديد.
6- استراتيجية التموضع عبر وسائل التواصل الاجتماعي
يختلف هذا النوع من التموضع عن الأنواع الأخرى؛ لأنَّه يركّز على مجموعة من القنوات بدلاً من تكتيك مستقل. والقنوات التي تستخدمها علامتك التجارية تعبّر عن الكثير من المعلومات تماماً كما تفعل رسائلك.
ليسَ من الضروري أن تظهر علامتك التجارية عبر كلّ المنصات. عند اِستخدام هذه الإستراتيجية، المهمّ هو اِختيار المنصَّات التي يستخدمها سوقك المستهدف بشكل أكبر من غيرها. وهناك عدد من العوامل التي يجب مراعاتها عند اِختيار منصة التواصل الاِجتماعي لاستراتيجية علامتك التجارية:
- أين يقضي جمهورك المستهدف وقت فراغه.
- أين ينفق جمهورك المستهدف أمواله.
- أين يبحث جمهورك المستهدف عن المعلومات والنصائح.
قد تجد هذه الجوانب الثلاثة على منصّة واحدة للتواصل الاِجتماعي، أو قد تكون موزَّعة على عدة منصَّات. بمجرَّد تضييق نطاق المكان الذي يجب أن تظهر فيه علامتك التجارية، يُمكنك صياغة رسائلك لتلبية اِحتياجات العملاء في المكان الذي يتواجدون فيه.
الخلاصة
سواء كنت صاحب علامة تجارية جديدة أو تسعى إلى إعادة تعريف علامتك التجارية، عليك بناء تموضع ذهني لعلامتك التجارية؛ لجذب جمهورك المستهدف، وتنمية عملك، وخلق مكانة مميّزة في أذهان المستهلكين.