المحتوى
لم تعد منصات التواصل الاجتماعي ساحات مفتوحة للجميع، بل أصبحت أشبه بمحركات بحث متقدِّمة، تفرض شروطها على المحتوى القابل للظهور. تماماً كما هو الحال مع تحسين محركات البحث (SEO) على جوجل، فإنَّ تحسين الوصول العضوي اليوم يتطلَّب استراتيجيات دقيقة تتجاوز مجرد النشر العشوائي.
في هذا المقال، سنُفكِّك خوارزميات الوصول العضوي عبر المنصات الاجتماعية، ونوضّح كيف يُمكنك إعادة ضبط استراتيجيتك لمواكبة التحولات.
إذا كنت ترى أن الإعلان المدفوع هو الحل الوحيد، فقد تكون مفاجأتك الكبرى أنَّ الوصول العضوي لا يزال مُمكناً، لكن وفق قواعد جديدة!
ما هو الوصول العضوي عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟
الوصول العضوي هو عدد الأشخاص الذين يرون المحتوى الخاص بك دون أي ترويج مدفوع، أي دون إنفاق المال للوصول إلى جمهورك المستهدف.
في بداية ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، كانت القواعد واضحة؛ تنشر محتوى، فيراه متابعوك. لا حاجة لخطط معقدة، ولا تدخّلات خوارزمية خفية، فقط علاقة مباشرة بين المبدعين والجمهور.
ولكن مع النمو الهائل في حجم المحتوى الاجتماعي المنشور يومياً، لم يعد بإمكان الخوارزميات ببساطة عرض كل شيء للجميع. وهكذا، بدأ عصر جديد تتحكم فيه خوارزميات معقّدة تحدّد من يرى ماذا، ومتى، ولماذا؟
اليوم، تعتمد منصات مثل فيسبوك، إنستقرام، لينكدإن، وتيك توك على أنظمة مصمَّمة لإبقاء المستخدمين منشغلين لأطول وقت ممكن. وهذا يعني أنَّ ظهور منشوراتك بشكل عضوي لم يعد مرتبطاً فقط بجودتها، بل أيضاً بمدى توافقها مع معايير كل منصة ومدى تفاعل الجمهور معها.
ما هو الفرق بين الوصول العضوي والوصول المدفوع؟
ببساطة، يُشير الوصول العضوي إلى عدد الأشخاص الذين يشاهدون منشوراتك دون أن تدفع مقابل ذلك، بينما يُقاس الوصول المدفوع بعدد المستخدمين الذين يصل إليهم المحتوى من خلال الإعلانات أو المنشورات المعززة.
ومن الجدير بالذكر أنَّه إذا شاهد أحدهم منشورك بشكل عضوي ثمَّ صادفه مرّة أُخرى كإعلان مدفوع، فسيتمّ اِحتسابه ضمن كلا النوعين من الوصول.
هل تراجع الوصول العضوي؟
إذا كنت تلاحظ انخفاض وصول منشوراتك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فأنت لست وحدك، والأرقام تؤكّد ذلك.
في (2017)، كان من الطبيعي أن تحصد المنشورات آلاف المشاهدات والتفاعلات بسهولة، لكنَّه تقلص تدريجياً حتَّى بات في (2024) يحقِّق بالكاد بضع مئات من المشاهدات.
وشهدت بعض العلامات التجارية تراجعاً يصل إلى (30)% خلال بضعة أشهر فقط بسبب تحديثات الخوارزميات التي تفضّل العلاقات الشخصية على المحتوى التجاري. فقد قامت جميع المنصات الاجتماعية بتشديد قبضتها على انتشار المحتوى غير الممول.
وفي بعض الحالات، المنشورات التي كانت تتفاعل معها قاعدة جماهيرية واسعة أصبحت تمر دون أن يلاحظها أحد.
لكنَّ القصة لا تنتهي هنا، فبينما تراجع الوصول العضوي، تمكَّن البعض من اِستعادته عبر فهم أعمق لكيفية عمل الخوارزميات.
6 طرق فعالة لزيادة الوصول العضوي
تعجُّ وسائل التواصل الاجتماعي اليوم بالمحتوى، وتلعب الخوارزميات فيها دور الحارس الصارم، تقرّر من يستحقّ المرور إلى جمهور أوسع ومن سيظلّ في الخلف!
لكنَّ هذا الحارس ليس عشوائياً، بل يُمكن التنبؤ بتصرفاته إلى حدٍّ كبير. فما الذي يجعل منشوراتك تتجاوز قيود هذه الخوارزميات وتصل إلى جمهور أكبر؟
جمعنا فيما يلي (6) استراتيجيات مثبتة وفعّالة ستُساعدك في تعزيز وصولك العضوي هذا العام:
1- النشر في الأوقات المناسبة
التوقيت مهمّ للغاية عندما يتعلّق الأمر بتوسيع الوصول الاجتماعي. إذ يعتمد نجاح المنشور بشكل كبير على التفاعل الأولي، حيثُ تُراقب الخوارزميات هذا التفاعل عن كثَب لتحديد مدى أهمية المحتوى. إذا لم يحصل منشورك على اِستجابة سريعة، فسينخفض مدى اِنتشاره بشكل كبير.
إذن، ما هو التوقيت المثالي للنشر للوصول إلى جمهورك المستهدف؟
تعتمد الإجابة على العديد من العوامل، مثل المنصة المستخدمة، والموقع الجغرافي لجمهورك، وخصائصهم الديموغرافية، وحتى طبيعة مجال عملك. وبناءً على البيانات والتحليلات المُستخلصة من منصاتك، يُمكنك تحديد الأوقات التي تحقّق أعلى معدلات التفاعل، لمنح منشوراتك فرصة أكبر للوصول إلى جمهور أوسع وزيادة التفاعل العضوي.
2- النشر بالتكرار المناسب
اختيار التوقيت المثالي هو الخطوة الأولى، لكن الخطوة الثانية هي معرفة عدد مرات النشر. وهي ليست مجرّد عملية عشوائية، بل يجب أن تكون مدروسة وفقاً لسلوك جمهورك.
اشترك في نشرة تواصل
التغيير هو الثابت الوحيد، والمعلومة الدقيقة هي الفارق. تواصل، نشرة شهرية تغوص في جديد التسويق الرقمي والتجارة الإلكترونية وتأخذك إلى ما وراء العناوين. اشترك الآن، وابقَ في قلب الحدث!
نورت، "" أنت الآن معنا في نشرة "تواصل" البريدية.
يمكنك الآن متابعة أحدث صيحات التسويق الإلكتروني مباشرة في بريدك الإلكتروني.
إليك متوسط التكرار الفعّال للنشر بناءً على آخر أبحاث (Hootsuite) لعام (2025):
- فيسبوك: 2، 11، 13، أو 15 منشوراً أسبوعياً.
- إنستقرام: 2 أو 3 منشورات أسبوعياً.
- لينكدإن: 2، 3، 4، أو 11 منشوراً أسبوعياً.
- X: حتّى 11 منشوراً أسبوعياً.
3- تخصيص المحتوى لكل منصة
إذا كنت تنسخ وتلصق المحتوى عبر جميع المنصات، فأنت تقلّل من تأثيره. فلكلّ منصة جمهورها الفريد، وما ينجح على فيسبوك قد لا ينجح على تيك توك أو لينكدإن.
لذلك، لتحقيق أقصى انتشار للمحتوى العضوي، لا بُدَّ من تخصيص المحتوى لكلّ منصة، بدلًا من اتباع نهج موحّد لا يُراعي هذه الفروقات.
كما أنَّ الخوارزميات لا تحبّ المنشورات المُعاد تدويرها من منصات أُخرى، خاصةً إذا كانت تحمل علامات مائية لمنصّات منافسة. لذا، يجب أن يكون المحتوى ملائماً لكلّ منصة، من حيث حجم الصور، وطول العناوين، وعدد الهاشتاجات، وأسلوب السرد.
4- تقديم قيمة حقيقية وأصلية
لماذا يتابعك الناس؟ لماذا يبقون معك؟ لماذا يشاركون منشوراتك؟ الجواب بسيط: لأنَّك تقدّم لهم قيمة.
القيمة يُمكن أن تكون معلومة جديدة، أو لحظة ترفيه، أو مصدر إلهام، أو حتّى إحساس بالانتماء لمجتمع.
والمحتوى الذي لا يُقدّم أيّ من هذهِ القيم، لا يستحقّ الوصول العضوي، وفقاً لمنطق الخوارزميات.
المشكلة أنَّ بعض العلامات التجارية تظنّ أنَّ الترويج المستمر لمنتجاتها هو قيمة، لكنَّه ليس كذلك بالنسبة للمتابعين. وهنا يأتي دور قاعدة (80-20)؛
- (80)% من محتواك يجب أن يركّز على تقديم قيمة حقيقية.
- و(20)% فقط يُمكن تخصيصه للترويج المباشر.
تُفضّل الخوارزميات المحتوى الأصلي، وتمنح الأولوية لمنشئي المحتوى على حساب المجمّعين. لذا، إذا كنت تعيد نشر محتوى الآخرين، أضف له لمستك الخاصة.
وحاول تجنّب إضافة الروابط الخارجية في المحتوى الاجتماعي قدر الإمكان؛ لأنَّ الخوارزميات تُفضّل إبقاء المستخدمين داخل المنصة، فكلّما زادت الروابط في منشوراتك، قلّ وصولها
5- تجربة أنواع المحتوى التي يتفاعل معها جمهورك
لا تزال الفيديوهات تُسيطر على المشهد الرَّقمي، لكنَّها ليست الوحيدة.
وفقاً لأحدث أبحاث (Hootsuite)؛ فإنَّ ألبومات الصور تحظى بأعلى نسبة تفاعل على فيسبوك، بينما تؤدّي الكاروسيلات بشكل أفضل على إنستقرام. ولا تزال الفيديوهات الخيار الأقوى على لينكدإن.
لكن هناك شيء آخر يجب الانتباه له؛ في منصات ميتا، فيسبوك وإنستقرام، يكون محتوى الريلز أكثر فعّالية في توسيع نطاق وصولك العضوي والوعي بالعلامة التجارية بفضل خوارزمياته المخصَّصة، حتّى لو كان معدل التفاعل عليه أقل.
وبالتالي، فالحلّ الأمثل هو مزيج استراتيجي من خلال استخدام الريلز لجذب جمهور جديد، ثمّ استخدام الكاروسيلات والألبومات لتعزيز التفاعل مع متابعيك الحاليين.
6- تحسين محركات البحث في وسائل التواصل الاجتماعي
ربَّما لاحظتَ أنَّنا لم نتطرَّق إلى الهاشتاجات في هذا المقال. ورغم أنَّها لم تختفِ تماماً من المشهد الرقمي، فإنَّها لم تعد الأداة الفعالة لاكتشاف المحتوى كما كانت في السابق.
بدلاً من ذلك، من الضروري فهم تقنيات تحسين محركات البحث على منصات التواصل الاجتماعي، وتطبيقها بذكاء في العناوين التوضيحية، والعلامات البديلة (alt tags).
يتعامل الجيل (Z) على وجه الخصوص مع وسائل التواصل الاجتماعي كمحرك بحث، لكنَّه ليس الوحيد، فشريحة كبيرة من المستخدمين يعتمدون على البحث الاجتماعي عند استكشاف منتجات جديدة.
الخلاصة
أصبح الوصول العضوي عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحدياً كبيراً في عصر الخوارزميات المتطوّرة، حيثُ تسعى المنصات للحفاظ على تفاعل المستخدمين.
وبينما قد يبدو أنَّ الوصول العضوي في تراجع، إلَّا أنَّ الاستراتيجيات الذكية والموجّهة التي استعرضناها في هذا المقال، يُمكن أن تُساعد العلامات التجارية على البقاء في صدارة المشهد الرقمي، وتحقيق تفاعل حقيقي ومستدام مع جمهورها..
